مسؤولية المدارس
تعتبر المدارس وغيرها من مؤسسات التعليم والتدريب مسؤولة رسميا أمام الحكومات ومسؤولة بطريقة غير رسمية أمام أولياء الأمور والطلاب. وتقوم العديد من البلدان بتفويض صلاحية اتخاذ القرار للسلطات المدرسية الإقليمية والمحلية، ما يشجع على المساءلة من القاعدة إلى القمة وبالعكس. ويطرح التركيز على المساءلة عدة تحديات أمام المدارس.
تساعد اللوائح الحكومية في مراقبة جودة المدارس
تختلف اللوائح الحكومية بشأن التعليم في جميع أنحاء العالم. على سبيل، تكاد جميع النُظم التعليمية التي جرى استعراضها لأغراض هذا التقرير – والبالغ عددها 71 نظاماً – تنطوي على لوائح بشأن مؤهلات المعلمين، بينما أقل من 40 % منها اشتمل على لوائح تخص الحد الأقصى لنسبة التلاميذ إلى المعلمين (الشكل 4). ويمكن للوائح أن تحمّل مزودي التعليم المسؤولية وأن تعرضهم للمساءلة ولكنها قد لا تكون فعالة من حيث الممارسة العملية. فهناك العديد من المدارس في البلدان الفقيرة التي لم تمتثل للوائح القائمة لأسباب خارجة عن إرادتها. فنقص التمويل في بلد مثل طاجيكستان يعني أن الكثير من المدارس لا تتمتع بتدفئة كافية أثناء الشتاء بالرغم من اللوائح.
وتتولى عمليات التفتيش المدرسية تقليديا رصد الامتثال للوائح والنُظم، بفعالية تتراوح حسب مهارة المفتشين. وتبين بعض البحوث أن مديري المدارس الذين تعرضوا إلى ضغط قوي ومساءلة شديدة من قبل المفتشين عملوا على تحسين أداءهم.
تفتقر العديد من المدارس الخاصة في البلدان الفقيرة إلى الانتظام والرقابة
شهد العقد الأخير توسعاً ملحوظاً في المدارس الخاصة. ففي الفترة الممتدة بين عام 2005 وعام 2015 ازداد عدد البلدان التي تشكل فيها نسبة الالتحاق بالمدارس الخاصة أكثر من 20 % (الشكل 5). وهناك في بعض البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي جنوب آسيا العديد من المدارس الخاصة التي تفتقر إلى الانتظام والانضباط، ولا سيّما المدارس ذات الرسوم المنخفضة التي يلتحق بها فقراء السكان، والتي تكاثرت بما يتجاوز قدرة الحكومة على ضبطها وإخضاعها للمعايير واللوائح المتبعة. ولاتزال بعض المدارس غير مسجلة تجنباً للضوابط الصارمة. ويتطلب تنظيم وضبط المدارس الخاصة لتحسين الإنصاف إجراءات متضافرة ومتسقة.
تتجلى إشكالية البيئات التنظيمية الضعيفة تجلياً واضحاً عندما تتوسع شبكة المؤسسات التعليمية الخاصة ذات الإمكانيات الضخمة توسعاً سريعاً. ومن ذلك شبكة أكاديميات بريدج ( Bridge ) الدولية التي تضم أكثر من 500 مدرسة في 5 بلدان. وقد كشفت عمليات التفتيش التي خضعت لها هذه المدارس في كينيا وأوغندا وجود مدرسين غير مؤهلين وبنية تحتية غير مناسبة ومناهج دراسية غير مرخص بها، وأيدت المحاكم خطوات الوزارات المعنية لأغلاق بعض من هذه المدارس.
تركيز التفتيش على جودة التعليم أمر مستحسن ولكن صعب التنفيذ
بات التفتيش المدرسي، ولا سيّما في البلدان الغنية، يتحول أكثر فأكثر عن التركيز على الامتثال للمعايير التنظيمية نحو تقييم جودة التعليم والتعلم في المدارس. بيد أنه من الصعب القيام بهذه المهمة بصورة حسنة ومرضية. ذلك أن نُظم التفتيش في البلدان الفقيرة تعاني من قلة الموارد وضعف القدرات. وفي جنوب أفريقيا، قاوم مديرو المدارس إصلاح التفتيش لأسباب منها استحضار الذاكرة لعمليات التفتيش في فترة الفصل العنصري. وتتطلب عملية إصلاح التفتيش، في العديد من السياقات، الكثير من الوقت. فبحلول عام 2015 ، كانت نسبة المفتشين الذين تلقوا التدريب في إطار عملية الإصلاح التي بدأت في عام 2010 لا تتجاوز 45 % فقط.
تركز عملية ضمان الجودة في تعليم الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة على الجوانب التي تسهل ملاحظتها
على الرغم من أهمية التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة للتنمية الشاملة للأطفال، أظهر نهج البنك الدولي القائم على النُظم لتحسين نتائج التعليم في الفترة بين عامي 2010 و 2015 أن 14 بلداً فقط من أصل 34 بلداً من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط وضعت معايير للتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة ونُظم رصد للامتثال.
وفيما يتعلق بضمان الجودة، غالباً ما تفضل البلدان الخصائص التشغيلية القابلة بسهولة للقياس والملاحظة، مثل البنية التحتية ونسبة التلاميذ للمعلمين. ولكن حتى على هذا الصعيد، غالباً ما تجد البلدان صعوبة في رصد الامتثال بصورة منهجية منتظمة، مثلما تبين الشواهد من بيليز وإندونيسيا والنيبال وسوازيلاند.
وتحاول نُظم تعليمية أخرى تقييم جوانب في التعليم أكثر دقة. ففي شيلي، يجري تقييم المعلمين في جميع المدارس البلدية مرة كل أربع سنوات وفقاً لمعايير «إطار التعليم الجيد »، وهي عملية قوامها التقييم الذاتي، والملاحظات الخارجية، وتقييم الأقران، والمحفظة الوظيفية. ويعاد تقييم المعلمين الذين صُنِّف أداؤهم على أنه «غير مرضٍ » في السنة التالية ويعزلون من التدريس إذا لم يحققوا التقدم المطلوب.
وهناك بعض الأدوات التي تساعد في تقييم جودة التفاعل بين المعلمين والأطفال، مثل مقياس تقييم الأداء البيئي في مرحلة الطفولة المبكرة الذي جرى وضعه وتطويره واستخدامه على نطاق واسع في الولايات المتحدة ومنها انتقل استخدامه مع التكييف إلى بلدان أخرى عالية الدخل مثل ألمانيا وإيطاليا.
ويمكن للتدابير المباشرة في مجال تنمية الطفولة المبكرة أن تدعم عمليات ضمان الجودة. وترمي الدراسة الطولية المعنونة «النمو في اسكتلندا » إلى ربط التجارب المبكرة بالنتائج اللاحقة لدى 14000 طفل في ثلاثة أفواج، مع استخدام النتائج في إعادة تصميم سياسة الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة.
وتُعتبر المساهمات المجتمعية، ولا سيّما من قبل أولياء الأمور، في غاية الأهمية لضمان جودة الرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة. ومن ذلك مثلاً المؤشر القائم على استطلاعات آراء أولياء الأمور ومدى رضاهم الذي يخرج به بصورة منتظمة الصندوق الوطني لرعاية الأسرة في فرنسا، والمعلومات التي يقدمها الممثلون المنتخبون لأولياء الأمور إلى اللجنة المعنية بالطفولة المبكرة التابعة للمجلس العام.
14 بلدًا فقط من أصل 34 بلدًا من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط وضعت معايير للتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة وُنظم رصد للامتثال
تعبر آليات ضمان الجودة في التعليم العالي عن أهداف مختلفة
توفر الأطر القانونية للبلدان وكالة وطنية واحدة أو أكثر مسؤولة عن ضمان الجودة في التعليم العالي، غير أن العديد من البلدان المنخفضة الدخل لم تعمل بعد على إنشاء نُظم وطنية لضمان الجودة في هذا المجال. وقد حفزت التدابير الإقليمية، مثل اتفاقية لشبونة، تنمية النُظم الوطنية لضمان الجودة، حيث قامت البلدان بإدراج المعايير الإقليمية في القانون الوطني.
ويشمل تقييم ضمان الجودة وضع المعايير، والتقييم الذاتي المؤسسي، والخبراء الخارجيين واستعراض الأقران، وتقارير التقييم، وعمليات النداءات. وتشمل المعايير، سواء كانت إلزامية أو استشارية، مدخلات التعليم العالي وأنشطته ونواتجه. ويتضمن تقييم جودة معايير التعليم الجامعي في الصين 19 مؤشراً في 8 مجالات رئيسية هي: مهمة الجامعة ورسالتها، وأعضاء هيئة التدريس، والمنهاج الدراسي، والإدارة، والجو العام، ومحاور التعلم، والبرامج التوثيقية.
وتعتبر وكالات ضمان الجودة نفسها مسؤولة وخاضعة للمساءلة من خلال التقارير السنوية وقواعد البيانات وسجلات الوكالات الإقليمية والدولية ومراكز الإعلام الوطنية. وتنشر الشبكة الدولية لوكالات ضمان الجودة في التعليم العالي دليلاً عن أفضل الممارسات لتشجيع المساءلة والشفافية؛ وقد اعتمد 18 بلداً عضواً ابتداءً من كوستاريكا وانتهاء بالإمارات العربية المتحدة المبادئ التوجيهية للشبكة فيما يخص الممارسات الجيدة. ومع ذلك، فإن الكثير من المعلومات الواردة في تقارير المساءلة لا يتم نشرها على نطاق واسع ولا يستفاد منها عموماً سوى خبراء التعليم العالي.
وتركز الأطر التنظيمية التي تغطي التعليم العالي على المستوى الإقليمي والدولي تركيزاً كبيراً على دعم المؤسسات. وكثيرا ما يكون الطلاب الأجانب غير مدركين لحقوقهم وقد يصعب عليهم الوصول إلى المعلومات. لذلك يتعين على الدول أن تدرج في قائمة أولوياتها تحديد المزودين غير النزيهين وتوعية الطلاب بشأنهم وأن تشجع الهيئات الطلابية على نشر المعلومات بشأن المزودين ذوي النوعية الجيدة.
ويلاحظ أن العديد من برامج المنح الدراسية تقدم كشفاً للجهات المانحة بالموارد المنفقة، ولكن تقاريرها ستكون أكثر فائدة لو أنها تزود الطلاب وعوائلهم والجامعات بالمعلومات اللازمة وفي الوقت المناسب. ومن المفيد إجراء دراسات طولية لقياس تأثير البرامج والانتفاع بوجهات نظر الجامعة والطلاب. على سبيل المثال، تقوم لجنة الكومنولث للمنح الدراسية في المملكة المتحدة بمتابعة الفائزين بالمنح واستقصاء أوضاعهم وآرائهم واستخدام النتائج لتحسين تصميم البرامج في المستقبل.
يشمل تقييم ضمان الجودة وضع المعايير، والتقييم الذاتي المؤسسي، والخبراء الخارجيين واستعراض الأقران، وتقارير التقييم، وعمليات النداءات
ينبغي أن تكون الحكومات مسؤولة عن ضمان الانتفاع بالتعليم العالي بكلفة معقولة
ازداد معدل الالتحاق بالتعليم العالي زيادة مطردة مدفوعاً بتحسن معدلات تقدّم الطلاب في سلَّم التحصيل المدرسي وارتفاع عدد الطلاب غير المتفرغين.
وتستخدم الحكومات الأطر التشريعية الوطنية لتعزيز الإنصاف في التعليم العالي والقدرة على تحمل تكاليفه، إلا أن قلة من البلدان تضمن تعميم الانتفاع بالتعليم العالي، منها الإكوادور واليونان وتونس. والكثير من القوانين التي تكفل الانتفاع بالتعليم العالي، ومنها القوانين المعمول بها في البرازيل وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية، تحظر التمييز وتشجع انتفاع الأقليات والمجموعات المحرومة بهذا التعليم.
ومع ازدياد الطلب على التعليم العالي، قامت الحكومات بتحميل الأفراد جزء من عبء التكاليف، إما بزيادة الرسوم الدراسية أو بتشجيع الخدمات التعليمية التي يوفرها القطاع الخاص. ولكن حتى في حالة عدم وجود رسوم دراسية، تبقى التكاليف الدراسية غير مقدور عليها بالنسبة لقطاع كبير من الطلبة. وما لم يُقدَّم دعم إضافي، فإن تعميم الانتفاع المجاني بالتعليم العالي سينتهي في نهاية المطاف لصالح الشريحة الغنية من الطلاب. فالفلبين، على سبيل المثال، ألغت رسوم الكليات الحكومية في عام 2016 ، لكن هذه تجذب أصلاً الطلاب من خلفيات ميسورة.
وينبغي أن تقترن الرسوم الدراسية ببرامج المعونة المالية التي قد تشمل المنح والقروض والمنافع الضريبية. ويمكن زيادة الخيارات ذات التكلفة المعقولة من خلال أمور منها مساعدة الطلاب ذوي الدخل المنخفض على سداد القروض التي بذمتهم. ,يعتبر استهداف السكان ذوي الدخل المنخفض مسألة بالغة الأهمية، ولكن قد يكون من الصعب التحقق من القدرات المالية الأسرية في البلدان التي لا تتوفر فيها مقاييس موثوقة للدخل الأسري، كما هو الحال في العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض.
ينبغي أن تقترن الرسوم الدراسية ببرامج المعونة المالية التي قد تشمل المنح والقروض والمنافع الضريبية
الجهات المزودة للمهارات والمصدقة عليها مسؤولة أمام المتدربين وأرباب العمل
يساعد وجود نظام متين لضمان جودة تنمية المهارات المهنية على تمكين المنتفعين كالعمال وأرباب العمل من مساءلة السلطات والجهات المقدمة للخدمات، وكذلك على إتاحة المساءلة المتبادلة فيما بين السلطات وتلك الجهات.
تحتاج نُظم المؤهلات الخاصة بتنمية المهارات إلى إدارة متسقة ومتماسكة، مشفوعة بإطار مشترك يحدد الأهداف تحديداً واضحاً. ويمكن الربط بين طلب سوق العمل وعرض الجهات المزودة للمهارات من خلال إشراك أرباب العمل والشركاء الاجتماعيين في وضع أطر العمل، وإن كان ذلك لم يكن بالأمر السهل دوماً، على سبيل المثال في بولندا وتونس.
وينبغي أن يخضع العدد المتزايد من الجهات غير الحكومية المزودة للتدريب للمعايير والإجراءات التنظيمية التي يتعين اعتمادها وتشغيلها. وكما هو الحال في التعليم العالي، يُعتبر الاعتماد عملية ضمان الجودة إذ هو بمثابة إقرار من قبل الحكومة الخارجية أو السلطات المهنية بأن مزودي الخدمات قد امتثلوا لمجموعة المعايير المطلوبة.
ويرمي برنامج تنمية المهارات الطموح في الهند إلى تدريب 400 مليون شخص بحلول عام 2022 ، ولهذا الغرض يتعين عليه أن يكفل الشفافية في عملية منح الشهادات، وأن يحصل المتدربون على الفوائد المرجوة كاملة، وأن يسجل المرشحون باستخدام رقم تعريف واحد، وأن لا يتم التعاقد من الباطن بصورة غير قانونية مع مزودين غير معتمدين. وينبغي للحكومة أن تحمي المتدربين من الوعود الكاذبة التي تمنيهم بالحصول على عمل وطلب رسوم منهم في المقابل. وقد بحثت هيئة مكلفة من قبل مجلس الشيوخ في أستراليا عما إذا كان المرشحون للتدريب، ولا سيّما الذين يعانون من الحرمان، يجري تضليلهم من قبل الجهات الخاصة المزودة للتدريب بشأن قيمة المؤهلات التي ينعين اكتسابها للدخول إلى سوق العمل.
يمكن لعملية الرصد أن تحسن المساءلة في برامج محو أمية الكبار
هناك عدة أمور تُعقِّد المساءلة في برامج تعليم الكبار القراءة والكتابة والحساب، قوامها مجموعة كبيرة من البرامج، ومزودي الخدمات، وموارد التمويل، والأهداف المفترضة. مع ذلك، تقوم البلدان بشكل متزايد بوضع معايير للجودة وتتوخى الحصول على النتائج المنشودة. ويلاحظ أن نُظم الرصد صارت عملية شائعة في برامج محو أمية الكبار: فجميع برامج تعليم الكبار القراءة والكتابة والحساب المدرجة في قاعدة بيانات اليونسكو الخاصة بالممارسات الفعالة في مجال تعليم مهارات القرائية والحساب والتي يبلغ عددها أكثر من 200 برنامج، قامت ببعض الرصد والتقييم، ويكون ذلك عادة في إطار إدارة وتنفيذ البرنامج.
وتساعد عملية جمع البيانات المالية الحكومات على مساءلة مزودي الخدمات غير الحكوميين بشأن الجودة وتخصيص الموارد. وقد تعاقد برنامج محو الأمية في جنوب أفريقيا )المسمّى «دعونا نتعلم »( مع شركة خاصة للمحاسبة المالية وإعداد التقارير، ولتحديث قاعدة بيانات المتعلم والمعلم في نظام إدارة المعلومات الخاصة بالبرنامج. وتعتمد المدفوعات للمعلمين على تقديم البيانات بشأن النفقات والحضور. وقد وجدت عملية مراجعة أجريت في عام 2016 أن الأجور التي دُفعت للمتطوعين كما زُعم كانت لعدد من المتعلمين يتجاوز العدد الذي ذكره المتطوعون في بياناتهم.
ويمكن أن يساعد رصد النتائج التي يتمخض عنها برنامج محو الأمية على ضمان المساءلة. وتمثل عمليات التقييم من خلال الزيارات الميدانية احدى الوسائل المستخدمة في عملية الرصد، مثلما هو الحال في باكستان. ومن الوسائل الأخرى استخدام أدوات التقييم البنائي/التكويني والتقييم الختامي/التحصيلي مثل الاختبارات والعروض الشفوية والتقييم الذاتي.
وغالباً ما تقيِّم البلدان العالية الدخل الإنجاز أو التحصيل التعليمي باستخدام أطر وأدوات تقييم وطنية موحدة، ترتبط أحياناً بالتمويل العام، كما هو الحال في الولايات المتحدة. وتجري بعض البلدان المتوسطة الدخل، مثل جمهورية إيران الإسلامية والمكسيك، الامتحانات النهائية مباشرة عن طريق الإنترنت لكل منطقة. وتعتمد بلدان أخرى على الميسرين في قاعات الدرس لإجراء تقييمات بنائية/تكوينية وختامية/تحصيلية ولا تُجمع وتُقارن البيانات بشكل منتظم لتحليلها. وتذهب بعض البرامج إلى أبعد من التقييم الضيق لمهارات القرائية في إطار تقييم حصيلة التعلم. فبرنامج محاربة الأمية في فرنسا يقيم المشاركين وفق معايير الاستقلالية والثقة بالنفس والحوافز والتفاعلات اليومية والتطور المعرفي.
جميع برامج تعليم الكبار القراءة والكتابة والحساب المدرجة في قاعدة بيانات اليونسكو الخاصة بالممارسات الفعالة في مجال تعليم مهارات القرائية والحساب والتي يبلغ عددها أكثر من 200 برنامج، قامت ببعض الرصد والتقييم
استخدام البيانات المتعلقة بمستوى تعلم الطالب لمساءلة المدارس مسألة مكلفة
باتت الحكومات تهتم أكثر فأكثر بجمع البيانات بشأن نتائج التعلم على مستوى المدرسة والطالب. ومن شأن هذه المعلومات أن تمكن، من حيث المبدأ، قادة التعليم على المستوى الوطني والمحلي والمدرسي من اتخاذ قرارات قائمة على الأدلة، طالما أن المعلومات ذات نوعية جيدة وأن هؤلاء القادة يتمتعون بصلاحية اتخاذ القرارات بمعزل عن المصالح السياسية.
وتستخدم نتائج التقييم الختامي/التحصيلي على المستوى الفردي لاتخاذ قرارات قبول الطلاب وتقدمهم؛ وعلى المستوى المؤسسي لمقارنة المدارس ومعرفة موقعها أو مرتبتها بالنسبة لبعضها البعض من أجل تحديد مواطن التحسين. أما على مستوى نظام التعليم، فإن نتائج التقييم الختامي/التحصيلي يمكن أن تساعد في رصد مدى الامتثال للمعايير المعتمدة.
وتختلف البلدان في كيفية استخدام نتائج التعلم الفردية. فبعض نُظم التعليم، مثل نظام التعليم في اليابان، يركز على الامتحانات الوطنية، التي تحدد التقدم في مراتب ومستويات التعليم خلال سنة دراسية معينة ولكنها لا تساعد على المقارنات في التعلم مع مرور الوقت.
وتحدد نُظم أخرى المعايير للتعلم المنشود وتقوم بعمليات تقييم في هذا الصدد. ويستند نظام إنجلترا المعقد والشامل الخاص بنتائج التعلم إلى المعايير الوطنية وعلى آلية متطورة لتقييم الطالب ونظام تقييم خارجي. وتُستخدم البيانات المجمَّعة لتنوير المفتشين وتهيئتهم قبل الزيارات التفتيشية، وكذلك تنوير أولياء الأمور، ومساعدة قادة المدارس على تحديد الأهداف وتحديد التلاميذ الذين بحاجة إلى دعم إضافي، ودعم السلطات المحلية والوطنية في رصد الأداء لأغراض المساءلة.
وتقيِّم بلدان مختلفة نتائج تعلم مختلفة، والبعض منها يركِّز حصرياً على اللغة والحساب، بينما تقيِّم بلدان أخرى مجموعة أكبر من المواد والموضوعات. كما تتباين البلدان في نوع المعلومات المدرسية والطلابية التي يجمعونها من القيام بمقارنة سياقية. ويُلاحظ في أستراليا أن المعلومات السياقية بشأن المدارس، والتي تشمل التمويل والبنية الديموغرافية والميزات الاجتماعية التعليمية، تتاح من خلال الموقع الشبكي المسمّى «مدرستي ». وفي الدنمارك، اعتمدت وكالة التعليم والجودة مؤشراً لرفاهية الطالب.
إن إدارة المعلومات انطلاقاً من نتائج التعلم ليست بالأمر السهل ويمكن أن تشكل تحدياً للنُظم التعليمية. فحتى البلدان العالية الدخل تجد نفسها ملزمة بأن تعمل بجد من أجل تجنب التفسيرات التبسيطية
غير أن إدارة كل هذه المعلومات ليست بالأمر السهل ويمكن أن تشكل تحدياً للنُظم التعليمية. فحتى البلدان العالية الدخل تجد نفسها ملزمة بأن تعمل بجد من أجل تجنب التفسيرات التبسيطية من خلال مراعاة المعلومات الاجتماعية الاقتصادية الخاصة بالمدرسة والطالب ومعرفة ما إذا كان يطرأ تحسن على المدارس والطلاب بمرور الوقت. وباتت البلدان تعتمد أكثر فأكثر مثل هذه التدابير ذات القيمة المضافة، ولكن هذه قد تعوزها الدقة الكافية ولا ينبغي بالتالي التسليم المطلق بالاستنتاجات المستخلصة منها وإنما إعادة النظر فيها وتكييفها.
وتتفاقم هذه المشاكل في البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض. فالمعلومات عن النتائج التي تسمح بإجراء مقارنات موثوقة عالية التكلفة، والاستثمار اللازم لبناء القدرات قد يكون باهظاً. وغالباً ما تركز هذه البلدان على نتائج الامتحانات بدلاً من عمليات المقارنة على أساس المعايير. فالامتحان الوطني في الأردن، على سبيل المثال، يقيِّم كل صف دراسي كل ثلاث سنوات، لكن النتائج لا يمكن مقارنتها عبر الزمن لأن مواد الامتحان تتغير بانتظام. وتتألف التقارير المنشورة في الغالب من جداول وصفية بدون تحليل يتعلق بالسياسات، ولا يحظى المعلمون بأي دعم لفهم النتائج على الرغم من أن الهدف يتمثل في تقديم المساعدة التربوية.
الأدلة على أن المساءلة القائمة على الأداء توفر تعليماً جيد النوعية ليست حاسمة بل مختلطة
من أصل 101 نظاماً تعليمياً جرى استعراضها، هناك 51 نظاماً يتيح للجمهور الاطلاع على درجات امتحان الطلاب، منها 17 نظاماً يستخدم هذه النتائج لمعاقبة أو مكافأة المدارس والمعلمين. هذا مع إن درجات الامتحان تؤثر فيها بقوة عوامل خارجة عن الإرادة والسيطرة المدرسية.
ولا توجد أدلة واضحة على أن معاقبة المدارس بسبب نتائج الامتحانات تؤدي إلى تحسين التعلم: فالإحصاءات لا تُظهر عادة وجود أي مكاسب إيجابية جراء ذلك وإن وجدت فهي هامشية لا وزن لها. فالقانون المعتمد في الولايات المعنون «حتى لا يفوت الركب أي طفل » الذي يتوعد المدارس ذات الأداء المتدني بالإغلاق لم يحقق سوى نتائج إيجابية هامشية فيما يتعلق بأداء الطالب، وعمّق في المقابل الهوة بين بين السود والبيض على مستوى التحصيل الدراسي وصار يحصر خيار الطلاب التعليمي، ولا سيّما في المدارس ذات الأداء المتدني، في مناهج دراسية ضيقة إذ أعطت المدارس الأولوية للمواضيع المختبرة.
وقد تتعامل المدارس مع نُظم المساءلة القائمة على معيار الأداء بطرق سلبية، فتعمد إلى المخاتلة والمناورة لتجنب العقوبات وذلك على حساب الإصلاحات الطويلة الأجل. ومن ذلك ما تفيد به البيانات من أستراليا وشيلي وجمهورية كوريا وغيرها من البلدان، حيث جرى إعادة تشكيل مجموعة الاختبارات، وتضييق المناهج الدراسية، والتدريس لغرض الامتحان، والغش، ما أثر بشكل غير متناسب على المدارس والطلاب المحرومين.
قد تتعامل المدارس مع نظم المساءلة القائمة على معيار الأداء بطرق سلبية، فتعمد إلى المخاتلة والمناورة لتجنب العقوبات وذلك على حساب الإصلاحات الطويلة الأجل
المنافسة التجارية في مجال التعليم يمكن أن تعمق الانقسام الاجتماعي
تمثل المنافسة إحدى الآليات المحتملة للمساءلة. وخلاصة الأمر هي أنه إذا كان بمقدور أولياء الأمور اختيار المدرسة المناسبة لأبنائهم، فإن هذا الأمر سيحمل المدارس على التنافس وبالتالي تحسين الأداء لجذب الطلاب.
ومن الشروط الأساسية الواجب توفرها لكي يتسنى لأولياء الأمور اختيار المدرسة المناسبة لأبنائهم ولكي يبدأ السوق بالعمل والتنافس، إتاحة المعلومات المدرسية للجمهور وجعلها مفهومة له. ويُلاحظ في العديد من نُظم التعليم في البلدان ذات الدخل المتوسط والعالي، أن نتائج الامتحانات المدرسية تُنشر على الملأ. أما في البلدان الفقيرة، فإنه ليس من السهل بالنسبة للمستخدمين المستهدفين الحصول على المعلومات وفهمها. ففي جمهورية تنزانيا المتحدة على سبيل المثال، من النادر ما يتم الحصول على بطاقات الأداء عن طريق الإنترنت، حيث تنخفض نسبة الانتفاع به. وفي كينيا، 72 % من أولياء الأمور يجهلون كيفية استخدام المعلومات بشأن مهارات القرائية والحساب.
وقد اتخذت بعض البلدان ذات الدخل المتوسط والعالي خطوات استباقية لإنشاء سوق للمدارس. وشهدت السنوات الخمس والعشرون الماضية تنامي واتساع السياسات المتعلقة باختيار المدارس بنسبة تتجاوز الثلثين في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. غير أن الأدلة تشير إلى أن سياسات اختيار المدارس تفيد السكان الأكثر حظاً. وغالباً ما يستند اختيار أولياء الأمور للمدارس إلى عوامل متنوعة مثل التركيبة الديموغرافية، التي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض نسبة التنوع وتعزيز الانقسامات الاجتماعية الاقتصادية. ففي فنلندا، كان اختيار المدارس تتولاه في المقام الأسر المتعلمة التي تفوق أطفالها أكاديمياً. وفي سانتياغو، في شيلي، اختار واحد فقط من أربعة أولياء أمور طلاب في الصف الأول المدرسة الأرفع أداء، بينما اقتصر اهتمام ما يُقارب 70 % من أولياء الأمور على المدارس من زاوية الانتماء الديني.
ويمكن لبرامج القسائم التعليمية أن توازن الكفة في اختيار المدرسة، إلا أن نتائج تأثيرها على التعليم ملتبسة. فبرنامج كولومبيا الذي يستهدف الأحياء ذات الدخل المنخفض زاد من نسبة الالتحاق بالمدارس الخاصة ومن مستوى التحصيل التعليمي ومعدلات التخرج. غير أن تعميم القسائم والسماح للمدارس برفع رسومها أمر يمكن أن يؤدي إلى عدم المساواة في الالتحاق بالتعليم دون تحسين أداء الطالب. وقد ارتبط تعميم برنامج القسائم في السويد بتزايد التفرقة والعزل في التعليم المدرسي. وفي شيلي التي لديها نظام طبقي للغاية، شجع نظام القسائم على القبول الانتقائي للطلبة من ذوي التحصيل العالي أو من ذوي الدخل العالي. ولم تسفر الإصلاحات الرامية إلى تحسين الاستهداف في عام 2008 إلى نتيجة تذكر على مستوى تحسين الإنصاف والعدالة.
يمكن للمجتمعات المحلية أن تساعد في رسم السياسات والممارسات المدرسية ورصدها
يمكن للمساءلة الاجتماعية من جانب المجتمعات المحلية والجماعات أن تحسّن من استجابة المدارس وكفاءتها. ويركز الرصد المجتمعي في كثير من الأحيان على البنية التحتية وحضور الموظفين والميزنة، ولكن تأثير التدخلات المجتمعية لا يصبح فعالاً ومستداماً إلا إذا جرت هذه بشكل متكرر ومنهجي. في إثيوبيا، كان للشراكة المجتمعية مع الحكومة لجمع البيانات المدرسية وزيادة الحوار المجتمعي نتائج إيجابية. بيد أن الافتقار إلى الموارد يمكن أن يهدد استدامة هذه المشاريع.
وتشارك الأطراف المعنية داخل المجتمع المحلي في الإدارة المدرسية، التي ترى ضرورة انتقال سلطة ومسؤولية اتخاذ القرار للأطراف المحلية الفاعلة. وقد ساهمت الإدارة المدرسية النحلية بشكل ملموس في تحسين التحصيل التعليمي للطالب وحضوره المدرسي في بلدان منها إندونيسيا والمكسيك. غير أن عدم الرغبة في مشاطرة المسؤولية مع أفراد المجتمع المحلي عرقل بعض الجهود التي تبذلها الإدارات المدرسية المحلية كما هو الحال في هونغ كونغ بالصين. ويستبعد التمثيل المجتمعي في بعض الأحيان المجموعات المهمشة. وعانت بعض لجان الإدارة المدرسية المحلية في نيبال من سطوة وهيمنة النخبة أو أرباب النفوذ.
غالباً ما يستند اختيار أولياء الأمور للمدارس إلى عوامل متنوعة مثل التركيبة الديموغرافية، التي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض نسبة التنوع وتعزيز الانقسامات الاجتماعية الاقتصادية