SUMMARY
VERSION

المساءلة في مجال التعليم

Students hold up the results from their exams at a school in Kabul, Afghanistan.

Credit: Ivan Armando Flores/Arete/GEM Report

المساءلة في مجال التعليم

يُقيِّم التقرير العالمي لرصد التعليم 2017 / 2018 دور المساءلة في النُظم العالمية للتعليم في إطار تحقيق الهدف 4 للتنمية المستدامة الداعي إلى ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع.

أدى تزايد عدد السكان الذين يتاح لهم الانتفاع بالتعليم، وتدني مستوى التعليم والتحصيل المدرسي، إلى تركيز الضوء بشدة على أوجه القصور المستمرة في توفير التعليم وجودته. وهذا الأمر، إلى جانب محدودية الميزانيات المخصصة للتعليم والتركيز المتزايد على القيمة مقابل المال في جميع أنحاء العالم، دفع البلدان إلى البحث عن حلول، ومنها زيادة المساءلة، التي غالباً ما تتصدر الحلول.

ويمكن أن تُعرَّف المساءلة بوصفها فضيلة معبّة عن صفة الشخص القابل للمساءلة والموثوق به. أما في هذا التقرير فهي تُعرَّف كنوع من الآليات. والحكومات وغيرها من الأطراف الفاعلة المعنية بالتعليم ملزمة، من الناحية القانونية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية، بالإبلاغ عن الوفاء بمسؤولياتها.

الشكل 1: كيفية مساءلة جميع الأطراف الفاعلة المعنية بالتعليم في الوقت الحاضر

ولأن مخرجات التعليم الطموحة تعتمد على أطراف فاعلة متعددة تقوم غالباً بأداء مسؤوليات مشتركة، فإن المساءلة لا يمكن حصرها بسهولة في طرف فاعل واحد. فتحقيق الهدف 4 للتنمية المستدامة الرامي إلى ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع، يتطلب غالباً، كما يبين هذا التقرير، جهداً جماعياً تشترك فيه الأطراف الفاعلة كلها وتعمل بصورة متضافرة من أجل الوفاء بمسؤولياتها )الشكل 1(. ولكي يحدث ذلك، لا بد من تحقيق المواءمة والاتساق بين المصالح السياسية والاقتصادية. فالسياسات التعليمية والأطراف الفاعلة تشكل جزءاً من صميم الواقع بكل تجلياته ولا تعيش بمعزل عن العالم من حولها.

ولا تقل أهمية عن ذلك حقيقة أن نهج المساءلة لا يمكن أن ينجح إذا كانت الأطراف الفاعلة تفتقر إلى بيئة مواتية أو إذا كانت غير مجهّزة بما يلزم للوفاء بمسؤولياتها. فبدون معلومات واضحة وموارد وقدرات كافية، ستتعثر جهود هذه الأطراف أو تحبط. ومن المرجح أن تؤدي السياسات الرامية إلى تحسين الممارسات التي تركز على البناء بدلاً من اللوم إلى نُظم تعليم عادلة وشاملة للجميع وعالية الجودة.

إن ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع، يتطلب غالباً جهدًا جماعياً تشترك فيه الأطراف الفاعلة كلها وتعمل بصورة متضافرة من أجل الوفاء بمسؤولياتها

يتطلب تحقيق الأهداف العريضة للتعليم التعاون والتواصل بين الأطراف الفاعلة المعنية. وتتوقف ثقة الجمهور ودعمه على مدى اقتناعه بأن العمليات والأهداف مشروعة وقابلة للتحقيق في ظل محدودية الميزانية. وثقة الجمهور مهمة في المسيرة التعليمية، إذ إن انعدامها يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى خيبة أمل المواطن وأولياء الأمور وابتعادهم عن العملية التعليمية وعدم المشاركة فيها. وعادة ما تكون عملية إصلاح التعليم بطيئة وسطحية في نظُم التعليم التي لا تحظى بثقة كبيرة من جانب الأطراف المعنية. ويتطلب بناء الثقة إشراك العديد من الأطراف المعنية في وضع غايات مشتركة والتسليم بضرورة التكافل والتعاضد بين الأطراف الفاعلة من خلال المساءلة المتبادلة.

وقد اشتركت عدة اتجاهات اجتماعية وسياسية في دفع سياسة التعليم نحو المزيد من التركيز على المساءلة. ومن ذلك أن التوسع السريع للتعليم في النصف الثاني من القرن العشرين جعل من الصعب أكثر فأكثر إدارة نُظم التعليم. وكان أحد التدابير التي اعتمدتها السلطات الحكومية في البلدان ذات الدخل العالي لمواجهة هذا التحدي، ليس فقط في قطاع التعليم وإنما أيضاً في القطاعات الأخرى، هو التحول من إدارة المخرجات إلى إدارة النتائج. وقد رافقت زيادة التركيز على النتائج إنشاء مقاييس وأدوات معيارية بغية إجراء مقارنات بين الحكومات المحلية والمدارس.

وكان من بين التطورات ذات الصلة اعتماد اللامركزية من أجل زيادة الرقابة المحلية على مسألة توفير التعليم، في حين احتفظت الحكومة المركزية بمسؤولية التمويل والرصد والتنظيم. هذا، ويلاحظ في بعض البلدان أن عدم الرضا بمستوى ونتائج التعليم الحكومي ساهم في تنويع مصادر التعليم وأدى إلى إنشاء «سوق » التعليم، حيث يمكن لأولياء الأمور اختيار المدارس لأبنائهم على أساس تصنيفات المدارس من حيث الجودة والنتائج والتحصيل المدرسي بهدف حفز المنافسة بين المدارس وتحسين الجودة. علاوة على ذلك، شجع توافر المعلومات المواطنين على المطالبة بمزيد من الشفافية.

واتجهت سياسات المساءلة في بعض البلدان ذات الدخل العالي إلى استخدام درجات الامتحانات المدرسية لقياس وتقييم الأداء. وبات أداء الطلاب يرتبط أكثر فأكثر بنظام العقوبات والمكافآت ويستخدم كأساس لتقييم أداء المعلم وجودة المدرسة.

إن المساءلة وسيلة لبلوغ غاية معينة – أي أداة لتحقيق غايات الهدف 4 للتنمية المستدامة – وليست في حد ذاتها هدفاً تسعى إليه النُظم التعليمية

ولكن إذا أرُيد للمساءلة أن تساهم في توفير نُظم تعليمية أكثر شمولاً وإنصافاً وذات جودة عالية، فإن من الضروري اعتماد نهوج مرنة قادرة على استخدام المعلومات المتاحة استخداماً موزوناً وحكيماً. وقد تكون آليات المساءلة فعالة في بعض السياقات وفي بعض الجوانب التعليمية، وقد تكون ضارة في سياقات وجوانب أخرى.

وإذ تمثل المساءلة وسيلة في غاية الأهمية لتحسين النُظم التعليمية، فإن هناك بعض الافتراضات التي ينبغي إعادة النظر فيها. فالمساءلة من أجل المساءلة أمر خاطئ. إذ إن المساءلة وسيلة لبلوغ غاية معينة – أي أداة لتحقيق غايات الهدف 4 للتنمية المستدامة – وليست في حد ذاتها هدفاً تسعى إليه النُظم التعليمية.

ويستعرض التقرير العالمي لرصد التعليم 2017 / 2018 البيّنات والمعطيات العالمية بشأن الآليات المترابطة غالباً التي تُستخدم في مساءلة الأطراف الفاعلة الرئيسية المعنية بالتعليم، وفعاليتها في تحقيق الهدف 4 للتنمية المستدامة، والبيئات الداعمة اللازمة لتمكين الأطراف الفاعلة من الوفاء بمسؤولياتهم الفردية.

توطئة

يوجد في عالمنا اليوم 264 مليون طفل وشاب لا يذهبون إلى المدرسة. وهذا فشل وخلل لا بد لنا من استدراكه ومعالجته معاً، لأن التعليم مسؤولية مشتركة، والتقدم على هذا الطريق لا يصبح مستداماً إلا من خلال تضافر الجهود والعمل المشترك. ولا يمكن خلاف ذلك تلبية طموحات الهدف 4 للتنمية المستدامة بشأن التعليم الذي يشكل جزءاً من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 . وإن الدور الأساسي المناط بالحكومات والمدراس والمعلمين في هذا الصدد يحتم عليهم الوقوف في الصف الأول في هذه المعركة جنباً إلى جنب مع الطلاب وأولياء أمورهم.

ويتطلب المضي قدماً في هذا الطريق تحديد المسؤوليات تحديداً واضحاً ومعرفة متى وأين يتم الإخلال بها وما هو الإجراء الواجب اتخاذه في هذا الصدد. وهذا هو معنى المساءلة التي تشكل محور هذا التقرير العالمي لرصد التعليم. والاستنتاج واضح. فغياب المساءلة يعني تقويض التقدم نحو الهدف المنشود، والسماح للممارسات الضارة بالتوغل والتجذر في صميم النظم التعليمية. ويرتبط غياب خطط تعليمية مصممة بوضوح من جانب الحكومة ارتباطاً وثيقاً بغياب المساءلة. فعدم وضوح الخطط التعليمية يؤدي إلى عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات. وعدم وضوح هذه يعني أن المساءلة باتت صعبة إن لم تكن مستحيلة. وكل هذا يعني أن الوعود ستبقى فارغة وأن السياسات لن تُموَّل. وعندما تخفق النظم العامة في توفير تعليم جيد، يأتي القطاع الخاص بمؤسساته الربحية ليملأ الفراغ ولكن بدون تنظيم أو ضابط وعلى حساب الفئات المهمشة. وتتحمل الحكومات المسؤولية الرئيسة في ضمان الحق في التعليم، غير أن هذا الحق غير قابل للمقاضاة عند الإخلال به في نصف البلدان في العالم تقريباً، وبذلك يخسر أصحاب الشكاوى والمظالم إمكانية اتخاذ حتى الخطوة الأولى على طريق إنصافهم واسترجاع حقهم.

ولكل طرف من الأطراف المعنية دور يؤديه في سبيل تحسين التعليم. ويبدأ ذلك بالمواطنين، تدعمهم منظمات المجتمع المدني ومؤسسات البحوث، حيث تُحدَّد الثغرات في التعليم المنصف والعالي النوعية. ونجد في عدد من البلدان أن المنظمات الطلابية كثيراً ما أثَّرت في السياسات في مجال التعليم المنصف والميسور التكلفة، ما يسلط الضوء على مكامن القوة التي نشترك بها جميعاً والتي يجب ممارستها لنمضي قدماً في تحقيق الهدف 4 للتنمية المستدامة. وكانت المنظمات الدولية أيضاً في طليعة الأطراف التي ساهمت في صياغة الأهداف الجديدة وغاياتها بما يتماشى مع التحديات المعقدة التي يشهدها عصرنا هذا.

ويبين التقرير أيضاً أن ليس كل نهوج المساءلة تساعدنا في الوقت الحاضر على تحقيق الهدف 4 للتنمية المستدامة. ففي بعض مناطق العالم، أصبح من الشائع أكثر فأكثر على سبيل المثال أن تُعاقب المدارس والمعلمون على نتائج الامتحانات السيئة، بزعم السعي إلى تحسين نوعية التعليم والتعلم. ويخلص التقرير إلى ضرورة مقاربة هذا النهج بحذر شديد لتجنب حدوث عواقب عكسية غير مقصودة.

وهناك أدلة وافرة على أن الامتحانات المصيرية أو الحاسمة القائمة على مقاييس ضيقة للأداء يمكن أن تشجع الجهود الرامية إلى التحايل على النظام والتلاعب به، ما يؤثر سلباً على عملية التعلم ويلحق الحيف بالفئات المهمشة بشكل خاص. ومن المهم جمع البيانات عن نتائج التعلم، بغية تسليط الضوء على العوامل التي تدفع في اتجاه عدم المساواة في التعليم. بيد أن استخلاص استنتاجات دقيقة يتطلب وقتا وموارد ومهارات لا تتوفر سوى لقلة البلدان، ومن السهل في المقابل استخلاص استنتاجات خاطئة.

وتعني المساءلة القدرة على التصرف عندما حدوث خلل ما، من خلال السياسات والتشريعات والجهود الدعوية، ويشمل ذلك العمل عن طريق مكاتب أمناء المظالم لحماية حقوق المواطنين. ونحن بحاجة إلى آليات أكثر فعالية وقوة في كافة المجالات لتكريس وإنفاذ الحق في التعليم ووضع الحكومات أمام مسؤولياتها وإلزامها بالوفاء بالتزاماتها ومساءلتها بموجب ذلك، وتشمل عملية المساءلة هذه الجهات المانحة أيضاً.

وترد مفردة «المساءلة » مرات عديدة في «إطار عمل التعليم لعام »2030 ، ما يدل على الأهمية التي توليها اليونسكو والمجتمع الدولي لمهام المتابعة والمراجعة من أجل حفز التقدم ورصده. ويعني هذا أيضاً أن على جميع البلدان أن تعمل على إصدار تقارير وطنية لرصد التعليم تبين فيها ما يُحرز من تقدم بموجب ما قطعته على نفسها من التزامات. ولكن نحو نصفها لا يفعل ذلك، ومن يفعل لا تصدر تقاريره بصورة منتظمة. وتعني المساءلة تفسير الأدلة وتحديد المشاكل والعمل على كيفية حلها. ويجب أن يكون ذلك قوام مجمل جهودنا الرامية إلى تحقيق تعليم منصف وعالي النوعية للجميع.

إيرينا بوكوفا
المديرة العامة لليونسكو

bokova