مسؤولية الحكومات
الحكومات هي المسؤولة في نهاية المطاف عن التقدم على طريق تحقيق الأهداف العالمية للتعليم. فالحكومات، في البلدان الفقيرة والغنية على حد سواء، هي التي تتحمل مسؤولية الوفاء بالالتزامات في مجال التعليم وخططه وتنفيذه ومخرجاته.
لدى الحكومات مسؤوليات قانونية حيال التعليم
لقد صدّقت جميع البلدان على اتفاقية دولية واحدة على الأقل ملزمة قانوناً تتعلق بالحق في التعليم. وتقع على عاتق الحكومات مسؤولية احترام هذا الحق وحمايته وإحقاقه. وتتضمن حالياً 82 % من الدساتير الوطنية حكماً بشأن الحق في التعليم. ويعتبر هذا الحق في أكثر من نصف البلدان قابلاً لمقاضاة من ينتهكه، ما يعطي المواطنين الإمكانية القانونية لمقاضاة الحكومة في حالة انتهاكها له (الشكل 2).
عمليات تقديم التقارير الدولية لها انعكاسات مختلفة على مسؤولية الحكومة
يتعين على البلدان التي صدّقت على أي من اتفاقيات الأمم المتحدة السبع الأساسية في مجال حقوق الإنسان ذات الصلة بالتعليم أن تقدم تقارير دورية بشأن التدابير التي اتخذتها للوفاء بالتزاماتها. ومن بين الاتفاقيات السبع الأساسية اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تدعو إلى نظام تعليمي شامل على جميع المستويات وتعزز نهجاً قائماً على الحقوق في تعليم الأشخاص ذوي الإعاقة، ما يشكل قاعدة صلبة لمساءلة الحكومة، ولا سيّما وأن الاتفاقية تنص على إنشاء آليات دولية ووطنية للتنفيذ والرصد. ويتعين على البلدان جمع البيانات ورفعها إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي العلاقة.
ويُلاحظ أن معظم التقارير القطرية التي قدمت حتى الآن والبالغ عددها 86 تقريراً، تذكر أن الدساتير أو القوانين أو السياسات تشير بوضوح إلى حق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم، والقلة القليلة فقط تُعرِّف الإعاقة. هذا علماً بأن عدم وجود تعريف دولي واضح للإعاقة يجعل من الصعب وضع برامج والامتثال للمعايير الدولية. ويُلاحظ بالمثل أن الدساتير أو القوانين أو السياسات في 42 بلداً تشير بوضوح إلى التعليم الشامل، ما يوحي بوجود توجه لصالح البرامج الشاملة في المدارس النظامية على حساب المدارس المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة. غير أن السياسة قد لا تتطابق دوما مع الممارسة.
ويمكن للتقارير الموازية التي تقدمها المنظمات غير الحكومية أن تؤثر أيضاً على استنتاجات لجان الأمم المتحدة المعنية باتفاقية حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، وجدت التقارير الموازية بشأن النقص في تمويل التعليم العام والمدارس الخاصة غير المنظَّمة في الفلبين، طريقها إلى توصيات اللجنة وتجلت فيها.
تشير الدساتير أو القوانين أو السياسات في 42 بلدًا من أصل 86 بلدًا بوضوح إلى التعليم الشامل
وهناك أيضاً تقارير طوعية ترفعها البلدان بشأن التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وقد بلغ عدد البلدان التي رفعت مثل هذه التقارير حتى اليوم 44 بلداً. وسيجري استعراض شامل ومعمق للهدف 4 للتنمية المستدامة في إطار الاستعراض المواضيعي العالمي للأمم المتحدة المزمع إجراؤه في عام 2019 تحت عنوان «تمكين الناس وضمان الشمول .» ولايزال يتعين التثبُّت من فعالية النهج الطوعي القطري لتحقيق التغيير؛ وقد يؤدي عدم وجود آليات إنفاذ خارجية إلى تأخير التقدم.
يمكن للمواطنين ممارسة الضغط على الحكومة من خلال العملية السياسية من أجل حملها على الوفاء بوعودها
تحفز العملية السياسة المسؤولين الحكوميين على الاستجابة لمطالب الجمهور. ومن آليات هذه العملية الانتخابات الحرة والنزيهة. وتفيد البيانات أن في الفترة ما بين 1975 و 2011 جرت 890 عملية انتخاب لقادة وطنيين في 169 بلداً اعتبرت 469 منها حرة ونزيهة. وانخفضت النسبة من 70 % في الفترة 1975 – 1985 إلى 45 % في الفترة 2001 – 2011 ، ويعود السبب جزئياً إلى الانتخابات التي جرت في الديمقراطيات الحديثة العهد (الشكل 3).
وقد لوحظ أن الإنفاق العام على التعليم يزداد مع التحول نحو الديمقراطية والانفتاح. مع ذلك، يظل من الصعب على الناخبين تحديد ومساءلة الأشخاص المنتخبين بسبب سياسة تعليمية فاشلة أو غير فعّالة. ويمكن للوعود البسيطة التي تُطلق أثناء الحملات الانتخابية أن تحول الانتباه والاستثمار عن قضايا التعليم الأكثر أهمية. وتميل الحكومات إلى التركيز على البنية التحتية المرئية والملموسة للتعليم على حساب مخرجات التعليم الأقل تجلياً على هذا الصعيد، مثل التطوير والتدريب المهني.
ويرى البعض أن المنافسة الانتخابية تحفز العمل المسؤول، ولكن الأدلة بهذا الشأن ليست قاطعة. ففي البرازيل، اختلس رؤساء البلديات الذين
يحتمل إعادة انتخابهم بنسبة تقل بمقدار 27 % عما اختلسه من موارد رؤساء البلديات الذين لم تعد مناصبهم قابلة للتجديد. ونجد في المقابل
أن انتخاب المشرفين على المدارس بالاقتراع المباشر في جمهورية كوريا لم يغير تغييراً ملموساً الإنفاق على التعليم أو معدلات إتمام التحصيل
المدرسي أو الالتحاق بالتعليم.
يمكن للمواطنين أيضاً ممارسة الضغط على الحكومة من خلال الحركات الاجتماعية
ليست الانتخابات الآلية السياسية الوحيدة التي يمكن من خلالها مساءلة الحكومة أو إلزامها بالوفاء بتعهداتها. فتحركات المواطنين تمثل آلية أخرى يمكن بفضلها ممارسة الضغط على الحكومة، كما في حالة الحركات الطلابية الناجحة من أجل خفض الرسوم الجامعية في شيلي وجنوب أفريقيا.
وتستخدم منظمات المجتمع المدني طائفة من الاستراتيجيات، تشمل الآليات القانونية، والاستقصاءات وغيرها من عمليات البحث والتقصي، والبيانات المفتوحة، وبناء الائتلافات والحملات الإعلامية. وقد أحالت الجمعية المدنية الأرجنتينية للمساواة والعدالة حكومة مدينة بوينس آيرس إلى المحكمة لعدم الاستجابة لطلبات إتاحة المعلومات المتعلقة بالتربية في مرحلة الطفولة المبكرة.
وتجمع عمليات الاستقصاء المعلومات التي يمكن أن تسلط الضوء على أوجه القصور وتدعو إلى التغيير. ففي العديد من البلدان، ومنها كينيا وباكستان والسنغال، كانت عمليات الاستقصاء التي يقوم بها المواطنون لتقييم القدرات الأساسية للأطفال في مجال القراءة والحساب تُستخدم كوسيلة للضغط على الحكومة من أجل تحسين توفير التعليم.
وقد بنت تحالفات منظمات المجتمع المدني، مثل حملة التعليم الشعبي في بنغلادش، زخماً لزيادة الضغط على الحكومة، من أجل زيادة موارد التعليم على سبيل المثال. وقد جرى اعتماد بطاقات أداء المواطن في أماكن أخرى، منها راوندا. وكان أول استخدام لها في بنغالور عام 1994 .
وفي بعض البلدان، ومنها الهند وجمهورية تنزانيا المتحدة، قامت منظمات المجتمع المدني بدور هام في التصدي للفساد من خلال تتبع الميزانية وتحليلها بهدف رصد المدفوعات والنفقات الحكومية، ومعرفة ما إذا كانت الموارد تخصص وتنفق وفقاً للميزانيات والخطط.
ساهمت منظمات المعوقين في رصد عملية تنفيذ الاتفاقية المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في 50 بلدًا من البلدان الستة والثمانين التي قدمت تقاريرها.
وبإمكان المنظمات المعنية بالأشخاص المعوقين ممارسة الضغط على الحكومات من أجل التغيير. كما بإمكان المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان توفير المعلومات ورفع مستوى الوعي. وقد ساهمت منظمات المعوقين في رصد عملية تنفيذ الاتفاقية المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في 50 بلداً من البلدان الستة والثمانين التي قدمت تقاريرها ولكنها لم تستطع المشاركة في عملية الاستعراض على المستوى الوطني إلا في 29 بلداً وذلك بسبب الافتقار إلى الإمكانات اللازمة لتوسيع نطاق المشاركة. وقد ساهمت منظمات المعوقين في رصد عملية تنفيذ الاتفاقية المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في 50 بلداً من البلدان الستة والثمانين التي قدمت تقاريرها.
وتشكل نقابات المعلمين جزءاً من المجتمع المدني بمفهومه الواسع مع احتفاظها بصوتها ودورها المتميزين. ويمكن لهذه النقابات أن تساعد في وضع الحكومات أمام مسؤولياتها ومساءلتها في هذا الخصوص من خلال دعم إصلاح التعليم أو مقاومته وتعزيز الحوار بشأن القضايا الحساسة التي قد تتردد الحكومة في معالجتها. ويؤدي الإدماج الرسمي لنقابات المعلمين في عملية صنع القرار إلى تعزيز الشعور بالمسؤولية وزيادة المساءلة وتوفير بيئة مواتية للمعلمين وتمكينهم في أمورهم وتحسين العلاقات بين النقابات والحكومة. ولكن للأسف، لا تُستشار النقابات بانتظام بشأن الإصلاح. فما يزيد على 60 % من 70 نقابة في أكثر من 50 بلداً لم تُستشَ قطّ، أو لم تُستشَ إلا نادراً، بشأن تطوير واختيار المواد التعليمية.
ما يزيد على 60 % من 70 نقابة في 50 بلدًا لم تُستشَر قطّ، أو لم تُستشَر إلا نادرًا، بشأن تطوير واختيار المواد التعليمية.
تقوم وسائل الإعلام بدور رئيسي في إثارة قضايا هامة تخص التعليم
يحتاج المواطنون إلى معلومات صحيحة من أجل مساءلة الحكومة. ويمكن لوسائل الإعلام أن تقوم بدور الرقيب على الحكومة، وتساعد المواطنين على تقييم أدائها. وتقوم وسائل الإعلام مقام قناة تستخدمها منظمات المجتمع المدني لنشر عملها والترويج لأنشطتها وتنوير الرأي العام أو الجمهور بقضايا مثل الإنصاف ليضعها في اعتباره وضمن خططه. وقد نشرت وسائل الإعلام الدولية والوطنية والمحلية نتائج التقييمات التي يقوم بها المواطنون لتبيان التحديات التي تنطوي عليها عملية توفير المهارات الأساسية لجميع الأطفال.
وتنشر وسائل الإعلام أيضاً نتائج البحوث التي تجريها مؤسسات البحوث والجامعات والمؤسسات الحكومية. ثم إن من شأن زيادة المعلومات عبر وسائل الإعلام بشأن كيفية إنفاق المال العام أن يساعد على تمكين المواطنين وزيادة الضغط على المسؤولين في قطاع التعليم كي يمارسوا عملهم بمسؤولية. ففي أوغندا، ازدادت حصة إحدى المدارس من التمويل بمقدار 10 نقاط مئوية تقريباً بعد أن قلَّت المسافة إلى مكان بيع الصحف بمقدار 2.2 كيلومتر.
وفي حين لا تزال وسائل الإعلام التقليدية تقوم بدور مهم في تفسير القضايا المعقدة للجمهور، تتيح وسائل التواصل الاجتماعي للمستخدمين تبادل المعلومات على نطاق واسع، بلا تحرير للنصوص، وبدون تقييم وتصنيف الصحفيين بغرض استبعاد غير المرغوب فيهم، أو بدون الرقابة الحكومية أحياناً. ويمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أداء مهام مهمة، ولا سيّما في وقت يشهد غالباً تطوراً سريعاً في السياسات التعليمية.
بيد أن وسائل الإعلام ينبغي أن تكون أيضاً مستقلة وخاضعة للمساءلة وقادرة على توفير معلومات ذات مصداقية وأن تعبّ عن مختلف وجهات النظر الاجتماعية. وينبغي للعاملين في مجال الإعلام، الذين يشاركون مشاركة مباشرة في استقصاء الأخبار وتمحيصها وتحليلها وتدوينها ونشرها، أن يتمتعوا بالخبرة التقنية اللازمة لتناول قضايا التعليم وأن يكونوا محل ثقة.
خطط التعليم ذات المصداقية والتسلسل الواضح للمسؤوليات أدوات مهمة في عملية المساءلة
من شأن الوثائق المتعلقة بتخطيط التعليم التي تضعها الحكومة عندما تتسلم مقاليد السلطة أن تُيسِّ عملية المساءلة باعتبارها تثبت الالتزامات الرسمية وتوضح المسؤوليات. وغالباً ما تقوم الحكومات بوضع خطط استراتيجية متعددة الطبقات لقطاع التعليم، غير أن الخطط التشغيلية السنوية تعتبر عادة أساسية للتخطيط والتنسيق.
ويمكن أن تتعزز المساءلة إذا منحت الآليات المؤسسية المزيد من السلطات أو المسؤوليات الرسمية لجميع الأطراف المعنية. ومن المستحسن إنشاء لجنة توجيه مشتركة من الأطراف المعنية الحكومية وغير الحكومية تتمتع بسلطة رسمية لتقييم الخطط القطاعية والموافقة عليها. ولكن حيثما يصعب توفر القدرات اللازمة، فإن الأطراف المعنية قد لا تتمكن دائماً من تمثيل جميع المواطنين أو الناخبين.
الحكومات التي تكلّف خبراء واستشاريين أو أطراف مانحة بوضع الخطط تقوض بسرعة الملكية والالتزام المحليين
إن التخطيط التشاركي الحقيقي للتعليم عملية تستهلك الكثير من الوقت، لذلك قد تنحو الحكومات إلى تعيين خبراء واستشاريين لوضع الخطط وتجنب المشاورات المطوّلة. وتقوض هذه الطرق المختصرة الملكية والالتزام المحليين. وينبغي للبلدان المتلقية للمعونة أن تحرص على تجنب احتكار الجهات المانحة لعملية التخطيط.
تُعتبر المسؤوليات المحددة تحديداً واضحاً مسألة مهمة، ولا سيّما في النُظم اللامركزية حيث غالباً ما تكون المسؤوليات غير محددة ومتداخلة، ما يموّه الحدود الفاصلة بين مراتب المسؤوليات. وغالباً ما تفتقر الإدارات اللامركزية، ولا سيّما في البلدان المنخفضة الدخل والهشة، إلى القدرة على التخطيط الاستراتيجي.
وقد أدى استخدام الإعانات المشروطة القائمة على الأداء لزيادة قدرة الإدارات المحلية وشفافيتها إلى تحسين الإدارة المالية في عدة بلدان من ذوات الدخل المنخفض والمتوسط. في جمهورية تنزانيا المتحدة، ارتفعت نسبة الإدارات التي أوفت بالحد الأدنى المطلوب للحصول على الإعانة من 50 % إلى 90 % في غضون ثلاث سنوات.
بيد أن فرض مساءلة محلية صارمة بشأن مخرجات محددة مركزياً أمر يمكن أن يؤدي أيضاً إلى عواقب سلبية. فثقافة التدقيق المفرط يمكن أن تحجب المسؤوليات، وتقلل من التعاون، وتقوض الابتكار، وتحمل مقدمي الخدمات إلى التركيز على الغايات بدلاً من التحسينات.
زيادة الإشراف أثناء إعداد الميزانية يمكن أن تضمن تخصيص الموارد للمجالات ذات الأولوية
إن تمكين الأطراف المانحة من المشاركة في إعداد الميزانية واستعراض النفقات المقررة من شانه تحسين الإنصاف في تخصيص الموارد.
ويمثل تدقيق الميزانية المهمة الرئيسية للهيئات التشريعية، وهو أمر يتطلب وقتاً وخبرة. ويمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تساعد هذه الهيئات في تقييم الميزانيات المقترحة وإغناء المداولات، كما هو الحال في إندونيسيا وكينيا. وتساعد الميزانيات المعدّة على أساس البرامج، بدلاً من الميزانيات المعدّة على أساس بنود الإنفاق، المشرعين في تقييم الإنفاق بفعالية أكبر.
المساءلة الأفقية يمكن أن تكون فعالة
اللجان التشريعية ومكاتب أمناء المظالم والمحاكم أمثلة على أدوات المساءلة الأفقية التي تمثل الأصوات العامة وتتحدى سطوة الهيئات التنفيذية. كما تمثل المراجعة الداخلية والخارجية للحسابات أدوات فعالة للمساءلة عن تنفيذ الميزانية وتساعد على الحد من الإهدار وسوء تخصيص الموارد والفساد. وتقتضي هذه العملية توفر القدرات الكافية.
وتؤدي اللجان التشريعية وظيفة مهمة في مجال الرصد، ولكن يمكن أن يحد من قدرتها على دفع عجلة التغيير إلى الأمام افتقارها إلى الاستقلالية أو القدرة أو السلطة. ومن شأن عملية التداول بين المشرعين مشفوعة بخبرة متخصصة في مجال التعليم أن تحسِّن الاقتراحات السياساتية بشأن أقل القضايا خلافية. ولدى الهيئات التشريعية في نيوزيلندا والنرويج وبيرو والولايات المتحدة الأمريكية وزامبيا لجان دائمة معنية بالتعليم تتفحص الإجراءات الحكومية وتستعرض القوانين وتوصي بالتغيير. ويُلاحظ في المملكة المتحدة أن توصيات اللجنة كانت مطابقة أو مماثلة للإجراءات الحكومية في 20 من 86 حالة، ولا سيّما فيما يتعلق بوضع تشريعات لإصلاح نظام التفتيش.
لدى الهيئات التشريعية في نيوزيلندا والنرويج وبيرو والولايات المتحدة الأمريكية وزامبيا لجان دائمة معنية بالتعليم تتفحص الإجراءات الحكومية وتستعرض القوانين وتوصي بالتغيير
وتستقبل مكاتب أمناء المظالم المواطنين الذين يودون تقديم شكوى ضد الحكومة. وتتجلى أهمية هذه المكاتب عندما يجد المواطنون حرجاً وضيقاً في التعامل مع المسؤولين الحكوميين. وبلغ عدد البلدان التي تضم مثل هذه المكاتب 110 بلدان في عام 2010 . وغالباً ما يتعامل المكتب مع قضايا سياسية خلافية، ما يضعه أحياناً في مواجهة الحكومة. في أمريكا اللاتينية، ساعد وجود أمناء المظالم، حتى بدون سلطات عقابية، على تحسين النفاذ إلى التعليم، والانتفاع بالرعاية الصحية والإسكان من 1981 إلى 2011 . وفي إندونيسيا، قام مكتب أمناء المظالم بدور رئيسي في الكشف عن التلاعب بأسئلة الامتحانات التي بيعت للطلاب والأجوبة التي تداولها الطلاب عن طريق الهواتف النقالة.
ويمكن لمنظمات المجتمع المدني والمواطنين تعزيز عملية المراجعة الخارجية للحسابات. ففي تشيلي وكوريا، سلطت شكاوى المواطنين واقتراحاتهم الضوء على مجالات تستحق انتباه وعناية مراجع الحسابات الخارجي. وتُمَكِّن استقصاءات تتبع النفقات العامة منظمات المجتمع المدني من إجراء مراجعات اجتماعية للإنفاق الحكومي. غير أن هذه الممارسات غالباً ما تكون مفردة لمرة واحدة بلا عقب بدفع من الجهات المانحة، لذلك نادراً ما تؤدي إلى تغييرات جوهرية مستدامة.
بناء ثقافة النزاهة المؤسسية أمر أساسي لمحاربة الفساد
يمكن أن يطال الفساد كافة الجوانب التي تنطوي عليها عملية توفير التعليم، ابتداء من التمويل ومرافق المشتريات وصولاً إلى الاعتماد المؤسسي للشهادات، وإدارة المعلمين، والامتحانات، والمنح الدراسية، والبحوث، والكتب المدرسية. وبغض النظر عن حجم ونوعية هذا الفساد، أي إذا كان الفساد كبير وفاضح أو إذا كان ممارسات فاسدة ومترسخة ولكن على مستوى منخفض، فإن التداعيات الناجمة عنه أوسع نطاقاً وأثراً من مجرد خسائر محاسبية، إذ إنها تؤثر سلباً على فرص الالتحاق بالتعليم وجودته. فالفساد يعني تحيز القرارات الحكومية بشأن تخصيص الموارد، ويخفض الإنتاجية والإيرادات العامة.
وتشكل الدراسات التي أجراها البنك الدولي بشأن التسرب في التحويلات المالية من الحكومة المركزية إلى الإدارات المحلية ومنها إلى المدارس مصدراً ألهم الكثير من العمل في هذا المجال، غير أن تتبع الأموال حتى وصولها إلى المدارس والعاملين فيها مازال صعباً، ولا سيّما حينما لا توجد قواعد واضحة للتخصيص. ويشكل المعلمون «الأشباح » الذين لا وجود لهم والمدارس «الشبحية » التي لا وجود لها موضوعاً معقداً ومثيراً للجدل. ففي النصف الأول من عام 2012 فقط كان هناك في نيجيريا 8000 ادعاء بشأن المعلمين الأشباح أو المعلمين الذين يتلقون أكثر من رواتبهم الرسمية.
ويُلاحظ أنه حتى بعد الإصلاحات التي جرت في البرازيل لتحسين آلية صندوق المساواة في التعلم، وجد المراقب المالي العام للاتحاد بعد عمليات التفتيش التي شملت 120 بلدية في 4 ولايات أن 49 بلدية شهدت عمليات غير منتظمة لتقديم العطاءات، و 28 بلدية شهدت تنفيذ عقود بصورة غير قانونية، وكان في 21 بلدية «سحوبات نقدية » من الحساب.
وقد تكون الممارسات الشائنة والسافرة غير ملحوظة بالنسبة للمراقبين الخارجيين ويصعب التحقق من نطاقها، ولا سيّما في الظروف الصعبة مثل أوضاع النزاع. ففي إقليم غور في أفغانستان، بلغت نسبة المدارس التي لم تكن تعمل حوالي 80 % من أصل 740 مدرسة، مع هذا كانت دائرة التعليم ماضية في دفع رواتب المعلمين.
وغالباً ما لا يتم الكشف عن بعض أنواع الفساد المترسخ جداً. ففي استقصاء لتتبع الإنفاق العام في بنغلاديش اعترف حوالي 40 % من موظفي التعليم الابتدائي في المقاطعات والمناطق الفرعية تقديم «مدفوعات تيسيرية » لموظفي الحسابات لتسديد النفقات. وقد لا تمثل هذه المدفوعات تسرباً فعلياً أو مباشراً للمال من الخزينة العامة، ولكنها تشجع المسؤولين على تعويض التكاليف بطرق أخرى.
إن الكشف عن المخالفات لا يكفي بحد ذاته لعلاج هذه المسألة، إذ لابد للقواعد والهياكل القانونية أن تكون مشفوعة بآليات رصد محسَّنة، تشمل مؤسسات قوية ومستقلة للمراجعة والتدقيق، ونُظم معلومات مفتوحة، وتهيئة بيئة مؤاتية لمراقبة وسائل الإعلام ومشاركة المنظمات غير الحكومية. وتقوم الشرطة والمحاكم بدور حاسم حين يجري الكشف عن قضايا الفساد.
ضرورة رصد التعليم وتقييمه بصورة منهجية
بإمكان الرصد والتقييم تعزيز عملية مساءلة الحكومة. ولكي يكون الرصد مفيداً ويؤدي غرضه ينبغي أن يبلّغ عن النتائج المرجوة وأن تكون البيانات دقيقة وأن تُجمع بانتظام. ولكن غالباً ما تكون نُظم الرصد والتقييم مجزأة. فالوكالات تتباين من حيث المنهج ووتيرة جمع البيانات، وقد لا تُجمع أو تُقارن أو تُتاح بطريقة مركزية.
ويمكن توحيد المعلومات في حال قيام الحكومات بإعداد تقارير وطنية لرصد التعليم في إطار الالتزامات حيال الهيئات المحلية مثل الهيئات التشريعية أو المنظمات الدولية، ومساعدة المواطنين على محاسبة الحكومات. ومن بين 209 بلدان 108 بلدان نشرت تقريراً وطنياً لرصد التعليم مرة واحدة على الأقل منذ عام 2010 ، ولكن لم يفعل ذلك بشكل منتظم سوى بلد واحد من كل ستة بلدان في العالم.
من بين 209 بلدان 108 بلدان نشرت تقريرًا وطنياً لرصد التعليم مرة واحدة على الأقل منذ عام 2010 ، ولكن لم يفعل ذلك بشكل منتظم سوى بلد واحد من كل ستة بلدان في العالم
وتفيد البيانات أن التقارير الوطنية لرصد التعليم أكثر شيوعاً في البلدان الغنية، وأن بعض البلدان المتوسطة الدخل، مثل الجمهورية الدومينيكية وجمهورية مولدوفا، وبعض البلدان المنخفضة الدخل، مثل أوغندا، تقوم أيضاً بإعداد مثل هذه التقارير. ويشمل معظم التقارير التعليم الابتدائي والثانوي، وتعنى ثلاثة أرباعها بالرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة، ويتناول ثلثاها التعليم العالي، ولا يتطرق إلى تعليم الكبار سوى ثلث التقارير.
وتختلف التقارير في مجال تركيزها. فنحو 60 % منها يركز في المقام الأول على وصف الإجراءات المتخذة، و 25 % على تقييم الوضع، ويعبر عن شواغل المساءلة المتعلقة بسياقات محلية متنوعة. وقد تركز التقارير أيضاً على حساب النفقات والمحاسبة عليها.
وبعض هذه التقارير، مثل تقرير التعليم الذي تصدره ألمانيا، يقتضيها القانون في إطار إعلام الجمهور وتركز عموماً على المحاسبة على الأفعال أو الإنفاق. ومن ذلك أن وزارة التعليم في بنما تصدر تقريراً سنوياً امتثالاً لقانون الشفافية في الإدارة العامة. وفي الفلبين، يدعو حكم «ختم الشفافية » المنصوص عليه في قانون الميزانية والقاضي «بتعزيز الشفافية وإنفاذ المساءلة »، كافة المواقع الإلكترونية الرسمية للوكالات الحكومية إلى نشر تقارير سنوية على مدى السنوات الثلاث الماضية، وذلك وفقاً للتعليمات الدقيقة الواردة في تعميم الميزانية الوطنية.
وقد تحتاج بعض معلومات الرصد إلى تكليف من الخارج أو تحصيلها من قبل مؤسسة يُحترم عملها وتحظى بقبول واسع بوصفها غير خاضعة لسيطرة الحكومة. وقد أنشئت خلال العقد المنصرم وكالات تقييم مستقلة في بلدان أمريكا اللاتينية بضمنها كولومبيا والإكوادور والمكسيك، وقد تعززت مسؤوليتها بالممارسة أو من خلال أحكام قانونية جديدة. ويعتبر التمويل المستدام عاملاً أساسياً لقدرة هذه الوكالات على القيام بدورها بصورة فعالة.
وصار من الشائع اليوم في البلدان المتلقية للمعونة إجراء استعراضات مشتركة لقطاع التعليم تجمع بين الحكومة والجهات المانحة والأطراف الفاعلة من المجتمع المدني وغيرها من الأطراف المعنية. ولكن تعتري هذا الجمع بعض نقاط الضعف، منها أن المشاركة ليست واسعة بما يكفي، وأن خطط تنفيذ التوصيات منعدمة، وغالبا ما تكون الجهات المانحة القوة المحركة لجداول العمل.
لا يتطرق إلى تعليم الكبار سوى ثلث ما نشر حتى الآن من التقارير الوطنية لرصد التعليم